التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض المشاركات من سبتمبر, 2025

أكذوبتي بيضاء!

بقلم/ د. نجلاء الورداني رغم قيمة الصدق الإنسانية العُليا، يظل الكذب حاضرًا في تفاصيل حياتنا اليومية كظلٍّ لا يفارق البشر، أشبه بعملة زائفة تبدأ بكذبة "بيضاء" لا تضر لكنها سرعان ما تتحول إلى شبكة معقدة تحاصر صاحبها، فيختبئ الأطفال خلفه اتقاءً للعقاب، ويلجأ إليه الكبار هربًا من مواجهة أو لتفادي جرح مشاعر الآخرين، وفي فضاء العمل يتخذ ثوب المجاملة أو التملق للوصول إلى المناصب، وعلى المسرح السياسي يصبح أداة لتزييف وعي الشعوب وصناعة أوهام كبرى؛ وما يزيد خطورته أنه لا يدمّر الثقة فحسب، بل يُحوّل العلاقات الإنسانية إلى مسرح هشّ يغيب فيه اليقين ويحلّ الشك، فتنهار أسس التواصل وتشوه صورة القيم، ويبقى الأمل معقودًا على ثقافة تعلي من شأن الصدق وتجعل مواجهة الحقيقة شجاعة، فالمجتمعات لا تنهض بالكلمات المزيفة، بل بالحقائق العارية مهما بدت.

نداء

بقلم/ عبد الرحمن هاشم استيقظ أحمد قبل الفجر بساعة، على غير عادته، كأن أحدًا يهزه ويهمس في أذنه:  قم فلبِّ النداء! لم يقاوم، ارتدى ملابسه على عجل، حمل حقيبته، وكتب استقالته بخط مرتجف ثم غادر القرية السياحية في مرسى علم متجهًا إلى المطار. كان كل شيء ينقاد له على غير عادة: وجد مكانًا شاغرًا في الطائرة كأن القدر أزاح صاحبه جانبًا، وتجاوز الإجراءات بسهولة غريبة، حتى بدا له أن قوة خفية تمهّد له الطريق خطوة خطوة. نسي راتبه الذي ينتظره، وتناسى غربته التي اعتادها، بل وأغفل نزوة قلبه الجديدة مع إحدى السائحات. لم يبق في داخله إلا صورة واحدة تملأ عينيه: وجه انشراح، جالسة بإسدالها الأخضر على سجادة الصلاة، تتلو دعاءها في خشوع !   وكلما طاف بخاطره طيف السائحة، برزت أمامه صورة زوجته، شفتاها تتحركان في ابتهال صادق، كأنها تحميه من السقوط في هوة بلا قرار.. كان يشعر في أعماقه أن كل خطوة تقربه أكثر من حضنٍ لم يعرف مثل دفأه منذ رحيله غير المدروس.

الفاجومي: البيضة الأورجانيك في قفص السجن (أحمد فؤاد نجم)

  بقلم/ د. نجلاء الورداني  الفاجومي؛ بيضة أورجانيك وُلدت خارج قفص المزارع الكبرى، نقية وصلبة رغم هشاشتها الظاهرة. لم يعرف في شعره المبيدات اللغوية ولا الهرمونات البلاغية، بل خرجت قصيدته من تربة الشعب كما يخرج النبات البري من قلب الأرض، بلا رعاية مصطنعة ولا إضافات تجميلية. لقد كان شعره عضوياً بالمعنى الرمزي، يحمل رائحة الحقول وأصوات الأزقة، ويعكس إيقاع الناس العاديين الذين وجدوا في كلماته مرآةً صافية لأحلامهم وصرخاتهم. وكما تُحاصر البيضة الأورجانيك في السوق أمام سيل البيض التجاري الرخيص، وجد الفاجومي نفسه محاصرًا بسجون متكررة حاولت أن تُطوّعه أو تكسر صلابته. غير أن القفص لم يفسده، بل زاده طزاجة. كان السجن بالنسبة له حاضنة تفقس قصائد جديدة، قصائد أكثر شراسة وسخرية، تخرج من القضبان لتتسرب إلى الشارع والجامعة والمصنع، فيتلقفها الناس كما يتلقفون الخبز الساخن. قصيدته لم تكن نصًا للنخبة، بل غذاءً جماعيًا يمدّ الوعي بطاقة المقاومة. تمامًا كما يُقال إن البيض الأورجانيك غذاء صحي للجسد، كان شعر نجم غذاءً صحيًا للوعي الجمعي، يقوّي مناعة الناس ضد الاستبداد والفساد. ومع شريكه الشيخ إمام تحو...

المولد النبوي الشريف: روح الجماعة ودفء الطقوس

بقلم/ د. نجلاء الورداني يمثل المولد النبوي الشريف حدثًا اجتماعيًا-ثقافيًا مركبًا يتجاوز كونه مجرد احتفال ديني، حيث يعمل كفضاء للتفاعل بين الدين والمجتمع، ويجسد أبعادًا متعددة تتضمن الرموز، والتضامن الاجتماعي، والاقتصاد، والثقافة الشعبية. ​البعد الرمزي والديني ​من منظور إميل دوركهايم، تعمل الطقوس الدينية على إعادة إنتاج التضامن الاجتماعي وتجديد الانتماء للجماعة. يُجسّد المولد النبوي هذا المفهوم، فهو يحيي رموزًا دينية أساسية مثل ذكرى النبي محمد ﷺ، والمدائح، والأناشيد، وحلقات الذكر. هذه الرموز تعزز الهوية الجمعية وتؤكد على مركزية الدين في الحياة اليومية، كما أنها تمنح الأفراد فرصة للتعبير عن مشاعرهم الدينية بشكل جماعي ومنظم. ​البعد الاجتماعي ​يشكل المولد فضاءً اجتماعيًا يجمع مختلف الأفراد والطبقات الاجتماعية، مما يجعله مناسبة للتلاقي الاجتماعي وتعزيز الروابط الأسرية والجماعية. يُسهم تبادل الهدايا مثل الحلويات والولائم في إنتاج ما يسمى بـ"رأس المال الاجتماعي الديني"، الذي يعزز الثقة والتعاون داخل المجتمع. ​البعد الثقافي والاقتصادي ​إلى جانب دلالته الدينية، يخلق المولد دينامية اقت...

الغياب والاغتراب.. حين يتحول الدعاء الشعبي إلى وثيقة اجتماعية

بقلم/ د. نجلاء الورداني لم تكن قصة الزميل الأستاذ عبد الرحمن هاشم "البيت الموحش" https://alalamalyoumnews.blogspot.com/2025/08/blog-post_31.html  مجرد بوحٍ شعوري عابر، بل أقرب إلى وثيقة مصغّرة تكشف عن جانب خفي من ثقافتنا المجتمعية، حيث يتحول الغياب بحثًا عن الرزق إلى جرحٍ اجتماعي عميق، وتبرز الأدعية الشعبية بوصفها ميراثًا فلكلوريًا يتكئ على مخيال ديني–غيبـي. القصة تُظهر بوضوح كيف يوظّف المجتمع آليات التكيف النفسي مع القلق والفقد، فيلتقي التراث الشعبي بالحاجات الإنسانية المعاصرة. فهي تحكي معاناة أسرية شائعة في مجتمعاتنا العربية: الزوج يغادر مضطرًا إلى السفر، بحثًا عن لقمة العيش داخل الوطن أو خارجه، بينما تتحمل الزوجة العبء الأكبر من تربية الأبناء وإدارة شؤون الحياة اليومية. هنا يتجلى الخلل البنيوي في توزيع الأدوار، الناتج عن ظروف اقتصادية واجتماعية ضاغطة، لتتحول القضية إلى ما يمكن تسميته: "الغياب والاغتراب الداخلي". غير أن القصة لا تقف عند حدود الغياب، بل ترصد المرأة كفاعل اجتماعي رئيسي. فهي لا تستسلم للوحدة، بل تبحث عن حلول عملية: بالاتصال، بالسؤال، باللجوء إلى الأق...